ایکنا

IQNA

القرآن.. والمفاهيم الدبلوماسية الحديثة

17:34 - September 14, 2022
رمز الخبر: 3487701
الدين الإسلامي كان هو الأقدم في ذلك في وضع النقاط فوق الحروف، وأسس من خلال رسولنا الكريم(ص) أعظم مبادئ لفن الدبلوماسية، حيث احتوى القرآن الكريم على أرقى المفاهيم الدبلوماسية في كل تفاصيل الحياة وعلى مدى الدهر.

ويتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس على مدى الزمن بأن تاريخ الدبلوماسية يبدأ من القرن السابع عشر أو السادس عشر ومن الغرب حصرًا، وبأصول ومفاهيم بسيطة بفن الدبلوماسية وأقسامه من البروتوكول والإتيكيت، لغة الجسد، الإدارة، العلاقات العامة، التفاوض والتشاور، إتيكيت الدعوات، الملابس، الأكل، الأسبقية.. وغيرها من الفروع والأقسام وكل ما يتعلق بهذا العلم.

إلا أن الحقيقة هي أن الدين الإسلامي كان هو الأقدم في ذلك في وضع النقاط فوق الحروف، وأسس من خلال رسولنا الكريم أعظم مبادئ لفن الدبلوماسية، حيث احتوى القرآن الكريم على أرقى المفاهيم الدبلوماسية في كل تفاصيل الحياة وعلى مدى الدهر، سواء في الماضي أو المستقبل، ومنها فن الدبلوماسية بقوله تعالى:(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر ـ 27)، وهو ما يثبت ويدلل ويوضح بأن القرآن الكريم قد تطرق إلى كل جانب من جوانب الحياة اليومية وكذلك بقوله تعالى:(.. وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا..) (الكهف ـ 49)، وهي أيضًا دلالة واضحة بأن القرآن الكريم قد أحصى وتطرق إلى كل مفردات الحياة اليومية، وما علينا إلا التفحص والتعلم من هذه المفردات الكونية الربانية التي نزلت من رب السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، وبقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل ـ 6).

وكذلك تطرق الله سبحانه وتعالى إلى القيمة العظيمة والإلهية للقرآن الكريم، وكيف تتطرق إلى كثير من المفاهيم التي يحتاجها الإنسان بقوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس ـ 12)، والمقصود حسب بعض التفسيرات أن الإمام المبين هو القرآن الكريم أو أُم الكتاب لاحتوائه وبصورة متكاملة على كل المعلومات الرصينة لكون منزل من رب السماوات والأرض.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن إتيكيت المشي وآداب نبرة الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية، وسوف ينظر لك الجميع بكل احترام وتقدير؛ لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة، ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتداولة، على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية أفراد المجتمع، وأكد الخالق على أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار قال تعالى:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) (لقمان ـ 12).

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن الإعلام والمصداقية في نقل وسرعة الخبر، قال تعالى:(قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي..) (النمل ـ 40)، وفي فن كتابة الأخبار ولباقة اللسان واختيار الكلمة والعبارات المتزنة والهادفة وغيرها قال تعالى:(وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ) (القصص ـ 34).

كما تحدث القرآن الكريم عن فن الإدارة وكيفية اعتماد مبدأ الأهم ثم المهم؛ قال الله تعالى:(الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) (الفرقان ـ 59)، هذه الآية الكريمة تعطينا أكبر وأهم درس في علم الإدارة وكيفية ترتيب الأعمال حسب أهميتها وكيفية أن تكون في غاية الدقة والوضوح، نحن لا نناقش المعنى الفقهي والديني لهذه الآية الكريمة بقدر ما نأخذ منها المواعظ والحكم، إنه خالق السماوات والأرض وما بينهما وبعد بستة أيام ليعطينا درسًا كبيرًا في إنجاز الأعمال وكيفية تقسيم الوقت والأهمية بحيث تكون على أعلى درجات الدقة والوضوح، وأن الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه أن يخلق السماوات والأرض كلمح البصر ولكن جعلها لنا درسًا نستفيد منه من ناحية الأهمية والترتيب والوقت والأولوية بالأمور.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن فن التفاوض، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق في كثير من الآيات القرآنية الكريمة ليعطينا درسًا للاقتداء به وممارسته في حياتنا العملية، وهو خير وسيلة لتربية الأمة أن تُربَّى بالتفاوض وتبادل الآراء والمشورة للوصول إلى أفضل الحلول، والتدرب على خاصية الإقناع والتفاوض، قال تعالى:(فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا..) (البقرة ـ 233)، هذه الآية الكريمة تعطينا درسًا في كيفية التفاوض والوصول إلى أفضل النتائج بعد التشاور والتباحث بالأمر مما كانت المشكلة، وقال تعالى:(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ..) (الأنفال ـ 46)، وهذه إحدى نقاط ضعف وسلبيات فريق التفاوض، إذ حصل خلاف في الآراء وكيفية طرق التفاوض بين المجموعة وإن فشلوا بالوصول إلى هدف المفاوضات، وبالتالي فإن النتائج سوف تكون مدمرة وتؤدي إلى الشقاق وضياع الهدف المرجو.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن فن إتيكيت الأكل والاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في عدة آيات قرآنية، قال تعالى:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (الأعراف ـ 31)، قال تعالى:(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غضبي..) (طه ـ 81)، وهو تنبيه إلهي لنا بعدم الإسراف في الأكل وتحضير كميات كبيرة من دون داعٍ لهذا الإسراف تحت مسميات الكرم وعادات القبيلة، ورمي المتبقي منه في سلة النفايات، وهو مخالف للشريعة والأعراف الإنسانية.

بقلم د. سعدون بن حسين الحمداني؛ دبلوماسي سابق وأكاديمي

captcha